Accéder au contenu principal

هجرس








     إن ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻣﺤﻔﻮرة ﻓﻲ ذﻫﻨﻲ أﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻛﺎﻧﺖ أول ﻟﻘﺎء ﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﺪﻧﻴﺎ و أول ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ اﻟﺤﻴﺎة، ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ رﺣﻢ واﻟﺪﺗﻲ، داﻓئا ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء،ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺨﻴﺎر ﺑﻴﺪي ﻟﻤﺎ ﻏﺎدرت أﻣﻲ، ﻟﻘﻀﻴﺖ أﻳﺎﻣﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ، ﻛﻨﺖ أﺣﺲ ﺑﺤﺒﻬﺎ و ﺑﻌﻨﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻮﺟﻮدي، ﻇﻠﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻟﺴﺎﻋﺎت، ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﺎ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺠﺮد ﻣﻀﻐﺔ، إﻋﺘﻘﺪت أن دﻣﻮﻋﻬﺎ دليل على الفرح بمولودها اﻟﻘﺎدم، ﻣﻮﻟﻮدﻫﺎ اﻷول، ﻓﻠﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﻃﻔﻼ ﺻﻐﻴﺮا ﻳﻀﻲء اﻟﻨﻮر وسط حلكة أيامها، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤﻪ أﻣﻲ ﻗﺒﻠﻲ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻔﻀﻞ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ أن ﻳشهد ﺣﻴﺎﺗﻲ، ﻛﺎن ذاك أﺑﻲ..

استجمعت أﻣﻲ ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ و وﺿﻌﺖ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﻬﺎ، ﻣﺮددة ﻋﺒﺎرات ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ اﻟﺤﺰن و اﻷﻣﻞ: ﻟﻦ أﺗﺨﻠﻰ
ﻋﻨﻚ.. ﻟﻦ أﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻚ..
ﺟﻠﺴﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻐﺮﻓﺔ، ﺗﺎرة ﺗﺜﻮر اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺘﺴﺘﺠﻤﻊ ﻗﻮاﻫﺎ، و ﺗﺎرة ﻳﻬﻴﻤﻦاﻹﺣﺒﺎط ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ وﺟﻬﻬﺎ، ﻇﻠﺖ ﺗﺘﺨﺒﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ أن ﻗﺮع أﺑﻲ اﻟﺒﺎب، ﻣﺮﺗﻴﻦ. 
ﺣﺎوﻟﺖ إﺧﻔﺎء ﻣﺎ ﻣﺮت ﺑﻪ ﻣﻦ ﺻﺮاع داﺧﻠﻲ، ﻟﻜﻦ اﻷﺳﻰ كان قد قضى فيها مأربه. 
ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب ﻟﺘﻔﺘﺤﻪ، أﻟﻘﺖ اﻟﺘﺤﻴﺔ و استدارت ﻟﻜﻲ تحول دون أي ﺗﺒﺎدل ﻟﻠﻨﻈﺮات ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺧﻄﻮة ﺗﻠﻴﻬﺎ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ أرض ﻣﺘﺼﺪﻋﺔ. 

خطفت نظرة موجزة إليه، بدا كعادته ضخما، ﻳﻔﻮقها ﻃﻮﻻ و ﻋﺮﺿﺎ، يكاد أن يدعوها اﺑﻨﺘﻪ أو ﺣﻔﻴﺪﺗﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﻛﺒﺮ ﻣﻨﻬﺎ سنا بعقدين ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ، ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ رﺳﻢ ابتسامته ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻲ ﻓﺸﺎرﺑﻪ ﻳﺨﻔﻲ ﻛﻞ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮه، و لولا صوته الذي يخرج من بين شفتيه لماما، ﻟﻤﺎ علمت ما يدور بخلده .
دﺧﻞ أﺑﻲ و أﺷﺎر إﻟﻰ أﻣﻲ أن ﺗﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ و أن ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺪﺗﻪ، إﻋﺘﺎدت أن تنكب ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺎد ﻣﻦ ﺻﻴﺪه، ﻓﻲ أﻓﻀﻞ اﻷﻳﺎم يمنحها ﻃﻴﺮا أﺑﺎدﺗﻪ ﻳﺪاه، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮﻣﺎ ﻳﺠﻴﺪ اﻟﺘﺼﻮﻳﺐ ﺑﺒﻨﺪﻗﻴﺘﻪ لكنه ﻛﺎن ﻣﺎﻫﺮا ﻓﻲ رﻣﻲ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ﻓﻲ وجهها.
ﺟﻠﺲ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﺑﻴﻦ أﺻﺒﻌﻴﻪ سيجارة ﺗﻄﻔﺊ ﻏﻠﻴﻠﻪ، ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮه واﻟﺪﺗﻲ ﻣﺮﺗﺠﻔﺔ، ﺗﻤﻜﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻦ رﺻﺪ ﺣﺎﻟﻬﺎ، استفسر ﻋﻦ سبب إﻗﺘﺤﺎﻣﻬﺎ قدسية ﻟﺤﻈﺘﻪ ﻫﺬه، لم ﺗﺘﺮدد و ﻷول ﻣﺮة ﺿﻐﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﺎل ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻟﺘﻌﻠﻦ ﻋﻦ وﺟﻮدي:
"إﻧﻨﻲ ﺣﺎﻣﻞ"..

 ﻟﻢ ﺗﻀﻒ ﺑﻌﺪﻫﺎ أي ﺣﺮف ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻨﻔﺬت ﻛﻞ ﻣﺨﺰوﻧﻬﺎ، و ﻣﺎ ﺑﻮﺳﻌﻬﺎ إﻻ أن ﺗﺮﻗﺐ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ.
 ﻋﻠﻰ وﻗﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ أﺑﻲ، ﺗﻨﻔﺲ ببطء ﻣﺎﻧﺤﺎ دﺧﺎن السيجارة ﻛﻞ اﻟﺴﺒﻴﻞ لملء أرجاء الغرفة، ﺛﻢ أﻃﻔﺄﻫﺎ و ﻋﺎد ﻟﻴﺸﻌﻞ واﺣﺪة أﺧﺮى، وﻗﻔﺖ أﻣﻲ ﻛﻤﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ، ﻣﻊ ﻛﻞ نفثة، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺲ ﺑﺤﻈﻬﺎ ﻳﺤﺘﺮق ، ﻣﻀﻰ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺎ بطيئا…
ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ، و ﻛﻞ ﺗﺮﻛﻴﺰه ﻋﻠﻰ سيجارته ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﻜﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ، و ﻓﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ الثانية، تحركت يده ﻗﺎﺻﺪة وﺟﻪ واﻟﺪﺗﻲ، ﺻﻔﻌﺔ واﺣﺪة، ﻛﺎﻧﺖ كفيلة بأن ﺗﺮﻣﻴﻬﺎ أرﺿﺎ، أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻜﻞ آﻻﻣﻬﺎ و ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺟﺴﺪا ﻟﻤﺎ ﺳﻤﺤﺖ ﻷي ﻣﺨﻠﻮق أن يلمسها، ﺳﻘﻄﻨﺎ أرﺿﺎ، ﺗﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮﻫﺎ، ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺘﻤﻌﻦ ﻛﻤﻦ ﻳﺰﻳﻞ اﻟﺰﺟﺎج ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻪ، و ﻓﻲ حر اﻷﻟﻢ أﺑﺎﺣﺖ ﻟﻪ وقاحته أن ﻳﺘﻘﺪم أﻛﺜﺮ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ، أزال اﻟﺴﺠﺎرة ﻣﻦ ﻳﺪه و وﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ بطنها دون أي ﺗﻔﻜﻴﺮ أو إﺣﺴﺎس و أﻛﻤﻞ ﺷﻨﺎﻋﺔ ﻓﻌﻠﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
"أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﺬ أول ﺳﺎﻋﺔ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ أﻧﻨﻲ راﻓﺾ ﻓﻜﺮة اﻹﻧﺠﺎب، ﻟﻜﻨﻚ دون دﻣﺎغ، ﺣﻴﻮان ﻳقيم ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ ، ﻟﻌﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻴﻚ و ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻚ"
ﻗﻀﻴﺖ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل، ﺷﺎﻫﺪا ﻋﻠﻰ ﻣأﺳﺎة ﻟﻢ أﺧﺘﺮ أن أﻛﻮن ﺟﺰءا ﻣﻨﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻨﻲ وﻋﺪت ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻪ ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﺗﻀﺦ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻦ أﺳﻤﺢ ﻷي دﻣﻌﺔ أن ﺗﻐﺎدر ﻋﻴﻮن واﻟﺪﺗﻲ. ﻏﺎدرﺗﻬﺎ أﻧﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ أرﺳﻞ اﻟﻤﺨﺎض إﺷﺎرة ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺴﺘﻘﺒﻞ روﺣﺎ أﺧﺮى، إﺗﺼﻞ واﻟﺪي ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻔترض أن ﺗﻘﻄﻊ ﺣﺒﻞ اﻟﻮﺻﻞ ﺑﻴﻨﻲ و ﺑﻴﻦ واﻟﺪﺗﻲ، ﺣﺎوﻟﺖ أﻣﻲ إﻗﻨﺎﻋﻪ أن ﻇﺮوف الولادة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت أﻓﻀﻞ ﻟﻬﺎ و ﻟﻲ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﺎﺳﺖ أﻧﻪ ﻟﻮﻻ اﻟﻌﺎر اﻟﺬي ﻛﺎن اﻹﺟﻬﺎض ﺳﻴﻠﺤﻘﻪ باﺳﻤﻪ، ﻟﻼﻗﻴﺖ ﻣﺼﻴر غيري من الأرواح التي أقبرت دون أن تخرج إلى العالم. 
ﻣﺮت أﻣﻲ ذاك اﻟﻴﻮم ﺑﻠﺤﻈﺎت عصيبة، أﻟﻮم ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ، ﺗﻘﺎوم أﻟﻤﻬﺎ، و كل أﻣﻠﻬﺎ أن ﺗﺤﻤﻞ ﻃﻔﻠﻬﺎ اﻷول ﺑﻴﻦ ذراﻋﻴﻬﺎ و أن ﺗﺨﺒﺮه و ﻫﻲ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻳﻌﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﺪى ﺣﺒﻬﺎ، ﺗﻘﺪم أﺑﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب، ﻓﺘﺤﻪ و أﺷﺎر ﺑﺄﺻﺒﻌﻪ ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻀﺮ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﻲ، ﺛﻢ ﻏﺎدر، و ﺗﺮك حتفها ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﻣﺮأة ﺗﺠﻬﻞ ﺳﺒﺐ ﻗﺪوﻣﻬﺎ، ﺣﺎﻣﻠﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎدﻳﻞ و اﻟﻤﻨﺎﺷﻒ المرفوقة ﺑﻜﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاد، ﻓﻴﻬﺎ ﻣا ﻗﺪ يحيل اﻟﻠﻘﺎء ﺑﻴﻨﻲ و ﺑﻴﻦ واﻟﺪﺗﻲ و ﻓﻴﻬﺎ ﻣا ﻗﺪ ﻳﻘﺒﺮ ﻛﻼﻧﺎ، ﻟﻦ أﻧﺴﻰ أﺑﺪا ﻫﻮل اﻟﻤﻨﻈﺮ اﻟﺬي ﺧﻠﻔﺘﻪ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻐﺬى ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻃﻔﻞ ﻳﻨﺠﺐ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﻬﺎ، ﻟﻴﺴﺖ أي إﻣﺮأة، إﻧﻬﺎ أول ﻣﻦ ﺗﺴﻨﺖ ﻟﻪ اﻟﻔﺮﺻﺔ أن ﻳﻠﻤﺴﻨﻲ، أول ﻣﻦ ﺳﻴﻜﻠﻤﻨﻲ و أول ﻣﻦ ﺳﻴﺤﻤﻠﻨﻲ، ﻻ ﺷﻚ أﻧﻨﻲ ﻣﺠﺮد ﻣﻬﻤﺔ أﺧﺮى ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺎ و أﻧﻪ ﻣﺎدام ﻣﺎ ﻳﻀﻤﻦ ﻗﻮت ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻓﺤﺘﻰ ﻟﻮ ﺗﻼﺷﺖ أﻃﺮاﻓﻲ أﻣﺎﻣﻬﺎ، ﻟﻦ ﻳﻐﻴﺮ ذﻟﻚ شيئا، ﺟﻠﺴﺖ ﺟﺎﻧﺐ واﻟﺪﺗﻲ، ﺧﺎﻃﺒﺘﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ: 
"أﺧﺘﻲ، ﻳﺠﺐ أن ﻧﻨﻬﻲ ﻫﺬا ﻓﻲ أﺳﺮع وﻗﺖ ممكن، لن نرغب في أن يختنق الجنين"
ﺗﻤﺎﺳﻜﺖ أﻣﻲ و رﻣﺖ ﻣﻦ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺻﺒﺮﻫﺎ آﺧﺮ ﺷﺮاع من اﻟﺘﺤﻤﻞ، استمرت المرأة ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻷواﻣﺮ ﻣﺆﻛﺪة ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ أﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺧﺮوﺟﻲ ﺑﻞ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻋﻨﻲ إن ﺗﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮ ذﻟﻚ.
دﻗﺎﺋﻖ ﺗﻌﺎدل اﻟﻌﺼﻮر، ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ و اﻟﻨﻔﻮر و ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻠﺠﺄ و اﻟﻘﺼﻮر، أﻟﻘﻲ ﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻈﻼم إﻟﻰ اﻟﻈﻼم.
ﺑﻜﻴﺖ ﻓﻔﺮﺣﺖ أﻣﻲ و إﺧﺘﻔﺖ ﻛﻞ ﻣآﺳﻴﻬﺎ، ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪري أﻧﻨﻲ أﺑﻜﻲ ﻓﻘﻂ ﻷﻧﻨﻲ و رﻏﻢ ﻛﻞ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻮداوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﺸﻬﺪ أﻗﺴﻰ، أﺑﻜﻲ ﻷﻧﻨﻲ أدرﻛﺖ أن ﺣﺼﺎﻧﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ، ﻟﻢ أﻋﺪ أﻧﺎ و واﻟﺪﺗﻲ ﺿﺪ اﻟﺤﻴﺎة بل ﺻﺎرت اﻟﺤﻴﺎة ﺿﺪي و و ﺿﺪ واﻟﺪﺗﻲ.
 أﺑﻜﻲ ﻷﻧﻨﻲ، ﻓﻘﻂ أردت أن أﺑﻜﻲ. ﻧﻈﻔﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻜﺴﺎد اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺘﻪ وراﺋﻲ ﺧﻼل ﺳﻔﺮي، ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺰﻋﺠﺎ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة واﺣﺪة، ﻛﻴﻒ ﻋﺴﺎي أن أﺗﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺰور واﻟﺪﺗﻲ، ﻛﻴﻒ ﻟﻲ أن أزﻳﻒ إﻫﺘﻤﺎﻣﻲ و أن أدعي اﻹﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺈزﻋﺎﺟﻬﻢ لي.
ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﻘﻲ اﻧﺪﺛﺮ، ﻟﻢ ﻳطرق أﺣﺪ ﺑﺎﺑﻨﺎ ﻳﻮﻣﺎ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻲ ﻓﻘﻂ ﻛﺎرﻫﺎ ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺑﻞ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن! 
ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ ﻳﻮﻣﺎ أن أﻛﻮن ﻣﻤﺘﻨﺎ ﻟﻮاﻟﺪي، ﻟﻜﻨﻪ وﻓﺮ ﻋﻨﺎء اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻴﻊ عديمة اﻷﻫﻤﻴﺔ، و ﺣﻤﺎﻧﻲ ﻣﻦ استكشاف أول ﻟﻮﺣﺎت اﻟﻨﻔﺎق و اﻟﺤﺴﺪ.
 ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻫﺬا، أود أن أﻗﻮل ﻣﺮﻏﻤﺎ: ﺷﻜﺮا أﺑﻲ.
 أﺧﺪﺗﻨﻲ أﻣﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، ﺗﺄﻣﻠﺖ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮي، و ﻧﺠﺤﺖ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻮد ﺗﻠﻚ أن ﺗﺨﻄﻒ اﻹﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻫﺎ، آﻧﺬاك ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ﺑﺪورﻫﺎ، و ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻀﻮل ﻧﺎل ﻣﻨﻬﺎ و استدارت ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ أﻣﻲ ﺑﻨﺒﺮة أﺣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة: "ﻫﻞ إﺧﺘﺮﺗﻢ إﺳﻤﺎ ﻟﻤﻮﻟﻮدﻛﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ؟" 
ﺳﻜﺘﺖ و ﻋﻢ اﻟﺼﻤﺖ أرﺟﺎء اﻟﻐﺮﻓﺔ، ﻟﻢ ﺗفكر في الاسم بعد، فهي رغم تفاؤلها لم تتوقع أن نشهد كلانا ولادتنا، أما أﺑﻲ، فهو لن ﻳﺨﺘﺎر، ﻷﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺨﺘﺎرﻧﻲ.

ﻗﻀﻴﺖ أول اﻟﺜﻮاﻧﻲ دون إﺳﻢ أو ﻫﻮﻳﺔ، ﻋﻠﻤﺖ اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ ردة ﻓﻌﻞ أﻣﻲ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺮر ﺑﻌﺪ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﻔﻜﺮ ﺣﺘﻰ.. عاتبتها ، ﻣﺬﻛﺮة إﻳﺎﻫﺎ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﺮض اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ أن ﻳﺴﻤﻰ اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻓﻲ ﺑﻄﻦ أﻣﻪ و أن عدم الانتباه الى ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻳﻌﻴﻖ ﺣﻴﺎة اﻟﻄﻔﻞ، ﺗﺠﺎﻫﻠﺖ أﻣﻲ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت و ﺷﻜﺮﺗﻬﺎ ، ﺗﻘﺪﻣﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب، و ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻐﺎدرﺗﻬﺎ،ﺗﺬﻛﺮت أﻧﻬﺎ ﻧﺴﺖ ﻋﺪﺗﻬﺎ ﻓﻌﺎدت أدراﺟﻬﺎ، استأذنت و ﺣﻤﻠﺖ كيسها و ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻐﺎدرة، ﻧﺎدﺗﻬﺎ واﻟﺪﺗﻲ ﺑﺼﻮت ﻳﻤلؤه اﻟﺘﻌﺐ و اﻹرﻫﺎق : "ﻫﺠﺮس"


يونس لمنور

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

غصة، شوق و حنين

  بمشية متحاملة، مهلهل الثياب، يقصد كرسيه الإسمنتي وسط حديقة الحي ليجلس كما العادة -ساعات طويلة- و هو مطرق رأسه لا يتحرك، محدقا في الفراغ، شاردا في اللاشيء أو بالأحرى في كل شيء ، يتذكر كل ثانية عاشها مع ابنيه.  ترتسم له المشاهد كضرب من الواقع، كجزء من الحقيقة و ليس مجرد ذكرى مشوشة، فتتجلى أمامه اللحظة الأولى، النفس الأول المتبوع بصراخ ابنيه اللذان يقبلان لهذه الدنيا فيصرخ هو شاكرا ربه أن رزقه سندا فيها، مستبشرا بأن يكونا له العضد و العوض، إلى اللحظة التي بدآ فيها المشي، يستوقفانه ليرفعهما إلى الأعلى، فيستجيب ضاحكا دون أن يعلم أن من تسلَّقا جذعه ليحملهما فيما مضى، سيتملصان منه دون أن يلمحهما مرة أخرى فيما سيمضي. يكبر الولدان يشتد عودهما و يضعف  الأب لكنه يضاعف رغم التعب ساعات عمله كبناء ليكسب ما قد يبني به مستقبل ابنيه، اذ أنهما قد أضحيا في السنة المدرسية الأخيرة ... "عمي محمد !" انقطع حبل الذكرى عنه، أناديه ثم أتوجه إليه بقدم مضطربة و قلب يخفق بشدة، يمسك صحن الطعام ثم يدعوني كي أرافقه في وجبته.  لم أستطع سوى القبول، جلست في الكرسي المقابل و الصمت بيننا يحول، فقد خشيت الخوض مع

Les morts ne meurent pas mais ils demeurent

  Pourquoi toute cette terre sur son cercueil, elle qui aimait tant respirer l’air de la mer? Sous le voile diphane du vingt-six août, la Mort a tissé sa toile dans tes cheveux, emportant tes rêves. Tu crois te plaindre d’une fatigue, tu crois avoir quelque chose d’anodin et tu tombes. Une pluie d’étoiles blanches partout dans ton poumon, covid-19, c’est ce que le monde dit pour décrire l’indicible. Au début de ta mort, tout est devenu de plus en plus grand, j’ai compris qu’il fallait éviter tout ce qu’on croit savoir à ce sujet, tous les mots convenus sur la douleur et la nécessité de revenir à une vie distraite, de s’entourer de gens et de vivre la misère refoulée en futilités ; j’ai compris que, comme pour la vie, il ne fallait écouter absolument personne et ne parler de la mort que comme on parle de l’amour : avec une voix douce, avec une voix folle, en ne choisissant que des mots faibles accordés à la singularité de cette mort-là, à la folie de cet amour-là. Les mois suivant t
TRIGGER WARNING : SUICIDE, BODY DYSMORPHIA  ليلةَ أمس أصابني أرق شديد منعني من النوم حتى السادسة صباحاً ومن شدة بؤسي أني سمعت أصوات العصافير النشيطة قبل نومي، الثانية عشر ظهراً يرِنُّ المنبه للمرة المئة وأنا مُتظاهرٌ أني لا أريدُ سماعهُ، أنظرُ له بنصف عين ثم أعود إلى غفوتي، أخيراً أيقظني الجوع من السبات، نظرتُ إلى الخزانة لا يوجدُ أي لباسٍ مرتب، ألم أرتب خزانتي من قبل؟ نظرتُ إلى نفسي في المرآة، فشعرت ببعض القبح، ما هذه السمنة المفرطة؟ لماذا شكلي هكذا؟ تباً للجينات التي أحملها، الثانية بعد الظهر متوجهٌ إلى أقرب مطعم من أجل الإفطار، الثالثة بعد الظهر عدت إلى المنزل بعد جولة في شوارع المدينة شعرت فيها بالازدراء حيث كانت نظراتُ الناس لي غريبة، ومن شدة الانزعاج اخذت علبة السجائر بدأت بالتدخين بشكل مفرط، الخامسة عصراً، لدي إختبار في نهاية الأسبوع لكن الدروس كثيرة والأستاذ دائماً ما يطلب مني أن أحلق شعري المجعد، الدرسُ الأول عنوانهُ غريب، للأسف نسيت القهوة تغلي، هذه الحياة ليست لي، الخامسة وربع بعد تنظيف المكان من القهوة المحروقة، يطرق أبي الباب فتحتُ له أحضر لي بعض الطعام وأخبرني