Accéder au contenu principal

غصة، شوق و حنين

 



بمشية متحاملة، مهلهل الثياب، يقصد كرسيه الإسمنتي وسط حديقة الحي ليجلس كما العادة -ساعات طويلة- و هو مطرق رأسه لا يتحرك، محدقا في الفراغ، شاردا في اللاشيء أو بالأحرى في كل شيء ، يتذكر كل ثانية عاشها مع ابنيه. 

ترتسم له المشاهد كضرب من الواقع، كجزء من الحقيقة و ليس مجرد ذكرى مشوشة، فتتجلى أمامه اللحظة الأولى، النفس الأول المتبوع بصراخ ابنيه اللذان يقبلان لهذه الدنيا فيصرخ هو شاكرا ربه أن رزقه سندا فيها، مستبشرا بأن يكونا له العضد و العوض، إلى اللحظة التي بدآ فيها المشي، يستوقفانه ليرفعهما إلى الأعلى، فيستجيب ضاحكا دون أن يعلم أن من تسلَّقا جذعه ليحملهما فيما مضى، سيتملصان منه دون أن يلمحهما مرة أخرى فيما سيمضي. يكبر الولدان يشتد عودهما و يضعف  الأب لكنه يضاعف رغم التعب ساعات عمله كبناء ليكسب ما قد يبني به مستقبل ابنيه، اذ أنهما قد أضحيا في السنة المدرسية الأخيرة ...

"عمي محمد !"

انقطع حبل الذكرى عنه، أناديه ثم أتوجه إليه بقدم مضطربة و قلب يخفق بشدة،

يمسك صحن الطعام ثم يدعوني كي أرافقه في وجبته. 

لم أستطع سوى القبول، جلست في الكرسي المقابل و الصمت بيننا يحول، فقد خشيت الخوض معه في الكلام فينسلخ قلبي وجعا، يشل لساني و تخونني العبارات، فأخون انتظاره للجواب و لتلك العبارات التي تخفف حزنه و تلملم جرحه، رغم أن جرح العم محمد عميق صعب الالتئام ينزف كينبوع آلام.

 بعد أن تركه ولداه و امتنعا عن رؤيته و زيارته مند عشر سنوات، إذ هاجر الأول لاستكمال دراسته دون عودة و انتقل الثاني لمدينة أخرى عمل فيها و تزوج، انقطع خبرهما  و انقطع رحم العم محمد . 

وها هو الآن قد قارب السبعين، ظهر عليه الوهن و علا وجهه الشحوب، عانق الجلد العظم و خطت عليه علامات فواجع السنين، كتجاعيد كثيرة، ظللت أبتسم له كلما تقاطعت نظراتنا محاولة إخفاء حزني على حاله حتى نطق و قال : إهتمي بوالديك ، اعتني بهما ...

تزاحمت العبرات في عينيه، جمدها بكبرياء فلمعت كقطرات الندى في ليلة مقمرة، إلا أن ليل العم بارد، ظلمته قاتمة و وحدته قاتلة، بعد هنيهة خانته دموعه فترنحت كل واحدة منها على حافة عينيه قبل أن تسقط محملة بالقهر و الخذلان، ثم أضاف : لا تتخلي، لا تقسي أبدا !! تقاطعت كلماته فجأة ، برزت عروقه و أمسك صدره، فأسرعت و ناولته كأس ماء ليرشف منه قليلا ثم يقول : لا تخافي .... مجرد غصة ...           

غصة شوق و حنين.                                  

حسرة على أيام مضت في لمحة العين ؛          

 كددت فيها و جهدت و ظننت أني سأقابل بلين !

 حين احتياجي و عجزي، مرضي و نسياني بين الحين و الحين.

أنا من رعيت وقت الصبا، و الآن كانوا لي تاركين جاحدين.

ذرفت دموعا فهل دموعي تشفين ! 

 إذا كان القضاء بهذا قضى فإن الله مع الصابرين

 أخفي شكواي اتركها لرب العالمين.


مريم توبان

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

TRIGGER WARNING : SUICIDE, BODY DYSMORPHIA  ليلةَ أمس أصابني أرق شديد منعني من النوم حتى السادسة صباحاً ومن شدة بؤسي أني سمعت أصوات العصافير النشيطة قبل نومي، الثانية عشر ظهراً يرِنُّ المنبه للمرة المئة وأنا مُتظاهرٌ أني لا أريدُ سماعهُ، أنظرُ له بنصف عين ثم أعود إلى غفوتي، أخيراً أيقظني الجوع من السبات، نظرتُ إلى الخزانة لا يوجدُ أي لباسٍ مرتب، ألم أرتب خزانتي من قبل؟ نظرتُ إلى نفسي في المرآة، فشعرت ببعض القبح، ما هذه السمنة المفرطة؟ لماذا شكلي هكذا؟ تباً للجينات التي أحملها، الثانية بعد الظهر متوجهٌ إلى أقرب مطعم من أجل الإفطار، الثالثة بعد الظهر عدت إلى المنزل بعد جولة في شوارع المدينة شعرت فيها بالازدراء حيث كانت نظراتُ الناس لي غريبة، ومن شدة الانزعاج اخذت علبة السجائر بدأت بالتدخين بشكل مفرط، الخامسة عصراً، لدي إختبار في نهاية الأسبوع لكن الدروس كثيرة والأستاذ دائماً ما يطلب مني أن أحلق شعري المجعد، الدرسُ الأول عنوانهُ غريب، للأسف نسيت القهوة تغلي، هذه الحياة ليست لي، الخامسة وربع بعد تنظيف المكان من القهوة المحروقة، يطرق أبي الباب فتحتُ له أحضر لي بعض الطعام وأخب...

Dirty Work

  It was never supposed to get this complicated. The goal was pretty clear, with a plan that left no room for mistakes or last minute changes. She would summon a demon, he would help her get rid of her bully, and her high school life would finally be less of a nightmare. She got her ritual down to the tiniest of details, bought everything she would need, and started the meticulously crafted event. For someone that came from a lineage of witches, this was easy for her, almost natural. The low-grade demon was eager to serve her, and he did a perfect job, killing the jock and disposing of his body so that nobody would be able to find him, or pin the incident on her. The thing is, she forgot how clingy these creatures can get once they’ve done you a favour.  The demon refused to leave her side, waking up with her and following her to school, back home, out with friends and back in the confines of her own bed. He sat on her shoulder, his weight light yet insistent, whispering in he...

Rotten

  By the residency of the morning my heart pumped blood into my blasphemous soul  I felt the liquid running through my veins to nourish my epicure vessels  my heart felt agonized and so unused to life; How can it win the war against my vessels? they crave life while it is drowning in greed and cupidity the feeling in my chest vacuumed my line of sight  I laid solemn on my bed, my stomach churning and my mind still darkened by the atrocity of yesterday  I asked myself : how can someone live in the shadow of sin? How can a person find so much comfort in pain and horror? it seemed that it was my only rescue to feel something  I loved the cold for its cruelty I prefer winter to summer  as if the gray sky revealed a bit of the rage that ran within me  I’d suffer, endure it, only to regain my senses   it brought life to me  it made me feel closer to god   it felt so hypnotizing when things got better  my wheels were stuck w...